أواخر يوليو الماضي، عرضت على الممثل فهد الحيّان، حلقة تجريبية (Pilot) بهدف طلب ظهوره في إحدى حلقات ذلك المسلسل التوثيقي، جاءني الرد سريعًا يمتدح العمل ويقترح اسمًا آخر “شقيقه عبد العزيز” للظهور إلى جانبه في تلك الحلقة.. جرى التحضير سريعًا للعمل، لكن مواعيد انطلاق أعمال التصوير تأجلت مرتين عن موعدها.
يوثق ذلك المسلسل عن الرياض، أحياءها .. مبانيها وبنيتها التحتية وعاداتها وتقاليدها وذكريات أهاليها وكل شيء عن ماضيها، بصورة احترافية غير مسبوقة.. كان من المقرر أن يجسد فهد الحيان طفولته التي عاشها في الشميسي (الحي نفسه الذي ترعرع فيه عبد الله السدحان) ومنها نعرف أنه نفسه الذي تركه والداه خلال الثمانينات، في منزل عمه لأنهم لم يجدوا له بنطالا وقميصا بمقاسه في أسواق الرياض قبل أن يسافر بقية أفراد العائلة إلى مصر “وبطريقة شبيهة من الشخصية التي جسدها الحيان نفسه في طاش ما طاش بعدها بعدة سنوات”.
يتذكر فهد الحيان أثناء حديثي معه، محاولته البائسة مع رفاقه لبيع كلبٍ من فصيل “الجعري” في سوق الحمام. وكان الحيان شاهدًا على السيدة نويّر، أشهر بائعة “شروخ” بسوق الحمام. ولا يزال يعلق في ذاكرته ذلك الرجل الأعمى الشهير بصوته الجهور في سوق الديرة مناديًا بأصوات بضاعته “سم الفأر .. سم الفأر” “الّلبان .. الّلبان”.
في المنزل الذي ولد فيه الحيان وتربى فيه، كانت والدته كحال سيدات ذلك الوقت تحلب البقرة في المنزل، وتطلب من ابنها فهد الذهاب إلى سوق العلف لشراء ما تأكله البقرة التي تدر لهم الحليب في المنزل. وداخل سوق العلف يبدي الطفل فهد ارتياحه الشديد لمنظر العلف المصفوف، ويلامسه بيديه، ثم يقرر افتراش إحدى مصفوفات العلف، ويغط في النوم.
أكتب بعد ساعات من رحيل الفنان فهد الحيّان، ويؤلمني أننا لم نكمل معًا أعمال التصوير.. بدا مخرج العمل حزينًا “كان متعاونًا للغاية، وظل معنا على اتصال لوقت طويل”.. رحم الله فهد الحيّان، عزاءنا لأبنائه وبقية أفراد أسرته وكافة محبيه.